خلال مسيرتي المهنية بوصفي رئيس تحرير للمجلة التي بين أيديكم والتي تجسد المرجعية الأولى لمعاني الفخامة في العالم، لم أكن راصدًا لمشهد الترف فحسب، بل شاهدًا على تحولاته الخفية وناقلاً لصوته الهادئ في عالم يضج بالصخب.
في رحلتي، كنت دومًا على تماس مباشر مع سؤال لا يشيخ ظل يرافقني مثل ظل أنيق: ما هي الفخامة؟!
هل هي ذاك البريق الذي ينساب على واجهات الضوء البهي؟ أم أنها، على ما همس لي كبار الأثرياء في لحظات بوحٍ وتجلٍّ، حالة تُعاش في سكون وتُدرك بالحس وليس بالعين، وتُلمس بلا أيدٍ؟
في عالم تزدحم فيه الصور والواجهات وتتنافس فيه الأسماء للارتقاء في سلم التميّز، لفتني أن الكبار بحق هم أولئك الذين بلغوا من الثروة والذائقة مبلغًا لا يحتاج إلى إثبات، وباتوا يجنحون إلى الصمت، ليس لأنهم لا يملكون ما يقولونه بل لأن ما لديهم يُقال بلا صوت ولا استعراض.
قال لي أحدهم ذات مساء إن الفخامة الحقيقية هي القدرة على الانسحاب من الحاجة الى التبرير للآخرين. كانت جملة عابرة لكنها ظلت تتردد في داخلي كلما حاول أحدهم أن يربط الرفاهية بالتصاريح الصارخة. فعند بلوغ مستوى رفيع من الرقي، لا يعود التميز بحاجة الى لافتة تُعلن عنه، بل يكفي أن يكون حقيقيًا ويعكس التصالح مع النفس.
الثراء حين يبلغ ذروته لا يكون ضجيجًا، بل يتحرر من الاستعراض والشرح ليصير أشبه بقطعة موسيقية تُعزف في غرفة خالية ولا يسمعها إلا من يعرف كيف يصغي.
لذا، عندما نحرر محتوى في منصتنا أو نستعرض منتجًا، لا نختار الأغلى ثمنًا أو الأكبر حجمًا، بل الأصدق والأشد تعبيرًا عن ذائقة نبيلة تشي بالعمق. إننا لا نبحث عن الإبهار بل عن تلك اللمسة التي توقظ الإحساس وتترك أثرًا لا يُمحى.
الفخامة من منظورنا ليست امتلاك الوقت بل الترفع عن مطاردته، وليست في الوفرة بل في حسن الاختيار، وليست ما يُقال بل ما يُعاش.
لذلك، بعد أعوام من الاستماع إلى الكبار والتأمل في ذائقتهم، بت على يقين أن الرفاهية الحقيقية هي صمت باذخ فيه من الحضور ما يعجز عنه كل ضجيج.